النخب السعودية ومؤسسات المجتمع المدني
عبدالوهاب العريض*
أستطاع المجتمع السعودي خلال الثلاثة عقود المنصرمة أن يفرز نُخباً جاءت نتيجة للضغوطات السياسية والاجتماعية وكذلك التعليم و المتغيرات السياسية التي مرت على الوطن العربي منذ خمسينيات القرن الماضي .
ولعل تلك النخب في المجتمع العربي استطاعت تكوين البنية الأساسية لمؤسسات المجتمع المدني في دولها وكان للاستعمار (المباشر) دور أساسي في تشكل تلك النخب ودخولها حلبات النضال والصراع بهدف طرد الاستعمار ، مما جعل تلك النخب تعي بشكل جيد ما هي متطلبات تكوين الدولة وتتكاتف على شكل أحزاب وتنظيمات ساهمت في النضال وكذلك في بناء الوطن فيما بعد .
وقد مرت المملكة العربية السعودية بثلاث مراحل منذ نشأتها على يد عبدالعزيز بن عبدالرحمن ، وبعد توحيد شبه الجزيرة العربية وضم إقليم الحجاز عام 1343هـ شعر عبدالعزيز حينها بالارتياح النفسي وبأن طموح التوسع قد أنجز مراحله النهائية بدخول الحجاز ، مما جعله يوافق لأعيان الحجاز حسب الاتفاقية الموقعة بينهم بوضع نظام الشورى والمجلس البلدي المنتخب من الأعيان وأوكل لهم كتابة نظام الحكم وتشكيل الوزارات وكتابة أنظمتها وتأسيس الباكورة لمؤسسات الدولة وما نستطيع تسميته مجازاً بعض مؤسسات المجتمع المدني ولكنها توقفت في عهد الملك سعود بشكل مؤقت وتم القضاء عليها بشكل نهائي في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز.
وكانت النخب السعودية تأخذ طريقها في التشكل بشكل نخبوي فقد عُرف عن المجتمع السعودي تسير نظامه عبر الأنظمة القبيلة كنمط أساسي في الحياة وقد أرتكز هذا التنظيم على القبيلة في التقاليد والأعراف ، وهذا ما تم التعامل بموجبه في منطقة نجد .. وكما يقول الدكتور مفيد الزبيدي في كتابه "تاريخ العربية السعودية " بأن وجود القبيلة أدى ( إلى ظهور الانتماء لها على أساس أنه الهوية الحقيقية للجماعة ، وإلى غياب الدولة المركزية ذات المؤسسات ، وعدم ظهور الولاء للدولة وغياب هوية الانتماء لها ، وللمؤسسات المدنية وعدم ، قيام أحزاب وجمعيات سياسية أو مصادر التعبير عن الرأي العام ."
إلا أن هذا لم يمنع النخب السياسية والاجتماعية الجديدة من تشكيل التنظيمات السياسية والاجتماعية للتعبير عن آرائها وتطلعاتها بصورة غالباً ما كانت سرية تبلورت في ممارساتها بين المقاهي والمدرسة وكذلك النوادي الرياضية ، وذلك قبل تحول المجتمع السعودي إلى البعد الواحد في الرؤية الدينية التي جعلت المجتمع والدولة تسير ضمن المذهب الواحد ، وعدم قبول الآخر وانتشار الجمعيات الدينية والتيارات الدينية وتقوية رجال الحسبة وذلك لمواجهة كافة التيارات التي برزت في نهاية الستينيات من القرن المنصرم . والتي ظهرت كرد فعل تجاه سياسات الدولة ورفضها لممارسة الديمقراطية وعدم إتاحة المجال أمام المشاركة الشعبية كما أشار الدكتور مفيد الزبيدي أن منطقة الخليج عرفت تغير في حياتها الفكرية والثقافية بعد اكتشاف النفط وحولتها من حياة الفقر والجهل إلى التعليم الحديث واستخدام الوسائل الحديثة وانتشار المراكز العلمية والثقافية ودخول التقنيات الحديثة وآفاق الثقافة العالمية . وتفتحت أذهان الناس على العالم الخارجي وفرضت الثقافة الغربية وجودها على حياة "الإنسان لتحل محل الثقافة القبلية ، وذلك بشكل تدريجي ".
وبهذا نجد بأن نمط الحياة الاجتماعية في دول الخليج رغم محاولة دخولها لأنماط الدولة إلا أن الوعي القبلي ظل مسيطرا على بعض تلك النخب (التنوقراط) وبعض من حاول الخروج على ذلك النمط الاستراتيجي للتكوين العائلي في تلك الدول ، وكأننا نتحدث عن نظام الشركات العائلية في تلك الدول .
الأحزاب السياسية في السعودية
بعد أن عجزت تلك النخب السياسية من تحقيق دولة المؤسسات والحصول على حقوقها بشكل يتناسب مع معطيات العصر ، قامت بتشكيل كثيرا من الأحزاب والتنظيمات القومية منها واليسارية ، وأصبحت اليوم مجرد تاريخ يذكر وهي :-
- الأمراء الأحرار منتصف الخمسينات بقيادة طلال بن عبدالعزيز تنظيم ليبرالي .
- نجد الفتاة مطلع الستينات بقيادة عبدالله الطريقي وآخرون تنظيم ليبرالي . –
- لجنة التحرير العربية السعودية 1969م ضباط ومثقفون تنظيم ليبرالي .
- جمعية العلم للنضال 1949م حسن الجشي وآخرون تنظيم قومي .
- حركة القوميين العرب مطلع الخمسينيات قومي .
- اتحاد الجزيرة العربية الخمسينيات بقيادة ناصر السعيد تنظيم قومي .
- حزب البعث العربي الاشتراكي الخمسينيات بقيادة محمد الربيع وعلي غنام تنظيم قومي .
- الكلية الطلابية الثورية عام 1962م مجموعة من الطلاب تنظيم قومي .
- شباب الطليعة العربية السعودية تنظيم مشكل بين الناصريين والقوميين .
- جبهة التحرير العربية عام 1962م مكون من الأمراء والأحرار وآخرون تنظيم قومي .
- جماعة التبليغ 1953م مكون من علماء وطلاب تنظيم إسلامي .
- جبهة الإصلاح الوطني عام 1953م مكون من الجيش والعمال تنظيم ماركسي .
- جبهة التحرير الوطني عام 1958م مكون من مثقفون وعمال تنظيم ماركسي .
- الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير الجزيرة العربية عام 1960م مكون من عمال النفط وهوا تنظيم ماركسي .
- منظمة الشيوعيين 1961م مكون من عمال النفط ماركسي .
- اتحاد القوى الديمقراطية مطلع الستينات مكون من عمال وموظفين وهوا تنظيم ماركسي .
- الجبهة الاشتراكية لتحرير الجزيرة العربية عام 1963م عمال النفط تنظيم ماركسي .
- رابطة أبناء الجزيرة العربية عام 1969م مكون من طلاب في الخارج ماركسي .
- الحزب الديمقراطي الشعبي عام 1969م مكون من موظفون وطلاب ماركسي .
- جبهة النضال الشعبي مطلع السبعينات مكون من طلاب في امريكا وهوا تنظيم ماركسي ..
وقد تم قمع جميع تلك التنظيمات في الفترة من 67م حتى نهاية السبعينات ، وفي تلك الفترة تم تقوية الحركة الدينية في الدولة لمجابهة المد الشيوعي في أفغانستان وكذلك محاصرة الثورة الإسلامية في إيران التي قامت بدعم تنظيمات دينية شيعية في منطقة الخليج وتحديداً في السعودية منها (حزب الله السعودية ، ومنظمة الثورة الإسلامية )..
مطلع الثمانينات بداء الصراع يأخذ منحى مذهبي في السعودية مما زاد التوتر في الداخل وفتح السجون وهجرة الكثير للخارج (الطائفة الشيعية) وعلى صعيد الجماعات السلفية (السنية) فقد ساعدتهم الدولة للذهاب إلى أفغانستان ومحاربة السوفيت والمد الشيوعي هناك .. مما نتج عنه في مطلع القرن الواحد والعشرين أحداث الحادي عشر من سبتمبر بينما عادت التنظيمات الشيعية إلى السعودية في مطلع التسعينات بعد عمل تسوية والحصول على بعض المكاسب التي لم تتحقق على أرض الواقع ولم تلبي طموحات الطائفة الشيعية فيما بعد .
ولعل الحديث عن الوضع السياسي داخل منطقة الخليج وفي العربية السعودية تحديداً يحتاج لكتابات أخرى نستعرض من خلالها كيف استطاعت الأحزاب الماركسية والقومية لإعادة لحمتها داخل الوطن مرة أخرى تحت مسمى قوى الإصلاح يشترك معهم نخب من كافة التيارات الدينية ( السنية – بكافة مذاهبها - ، الشيعية ، الإسماعيلية و الصوفية ) المعتدلة والتي تطالب بتحقيق مؤسسات المجتمع المدني داخل الوطن دون اللجوء للسلاح أو العنف .
عبدالوهاب العريض*
أستطاع المجتمع السعودي خلال الثلاثة عقود المنصرمة أن يفرز نُخباً جاءت نتيجة للضغوطات السياسية والاجتماعية وكذلك التعليم و المتغيرات السياسية التي مرت على الوطن العربي منذ خمسينيات القرن الماضي .
ولعل تلك النخب في المجتمع العربي استطاعت تكوين البنية الأساسية لمؤسسات المجتمع المدني في دولها وكان للاستعمار (المباشر) دور أساسي في تشكل تلك النخب ودخولها حلبات النضال والصراع بهدف طرد الاستعمار ، مما جعل تلك النخب تعي بشكل جيد ما هي متطلبات تكوين الدولة وتتكاتف على شكل أحزاب وتنظيمات ساهمت في النضال وكذلك في بناء الوطن فيما بعد .
وقد مرت المملكة العربية السعودية بثلاث مراحل منذ نشأتها على يد عبدالعزيز بن عبدالرحمن ، وبعد توحيد شبه الجزيرة العربية وضم إقليم الحجاز عام 1343هـ شعر عبدالعزيز حينها بالارتياح النفسي وبأن طموح التوسع قد أنجز مراحله النهائية بدخول الحجاز ، مما جعله يوافق لأعيان الحجاز حسب الاتفاقية الموقعة بينهم بوضع نظام الشورى والمجلس البلدي المنتخب من الأعيان وأوكل لهم كتابة نظام الحكم وتشكيل الوزارات وكتابة أنظمتها وتأسيس الباكورة لمؤسسات الدولة وما نستطيع تسميته مجازاً بعض مؤسسات المجتمع المدني ولكنها توقفت في عهد الملك سعود بشكل مؤقت وتم القضاء عليها بشكل نهائي في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز.
وكانت النخب السعودية تأخذ طريقها في التشكل بشكل نخبوي فقد عُرف عن المجتمع السعودي تسير نظامه عبر الأنظمة القبيلة كنمط أساسي في الحياة وقد أرتكز هذا التنظيم على القبيلة في التقاليد والأعراف ، وهذا ما تم التعامل بموجبه في منطقة نجد .. وكما يقول الدكتور مفيد الزبيدي في كتابه "تاريخ العربية السعودية " بأن وجود القبيلة أدى ( إلى ظهور الانتماء لها على أساس أنه الهوية الحقيقية للجماعة ، وإلى غياب الدولة المركزية ذات المؤسسات ، وعدم ظهور الولاء للدولة وغياب هوية الانتماء لها ، وللمؤسسات المدنية وعدم ، قيام أحزاب وجمعيات سياسية أو مصادر التعبير عن الرأي العام ."
إلا أن هذا لم يمنع النخب السياسية والاجتماعية الجديدة من تشكيل التنظيمات السياسية والاجتماعية للتعبير عن آرائها وتطلعاتها بصورة غالباً ما كانت سرية تبلورت في ممارساتها بين المقاهي والمدرسة وكذلك النوادي الرياضية ، وذلك قبل تحول المجتمع السعودي إلى البعد الواحد في الرؤية الدينية التي جعلت المجتمع والدولة تسير ضمن المذهب الواحد ، وعدم قبول الآخر وانتشار الجمعيات الدينية والتيارات الدينية وتقوية رجال الحسبة وذلك لمواجهة كافة التيارات التي برزت في نهاية الستينيات من القرن المنصرم . والتي ظهرت كرد فعل تجاه سياسات الدولة ورفضها لممارسة الديمقراطية وعدم إتاحة المجال أمام المشاركة الشعبية كما أشار الدكتور مفيد الزبيدي أن منطقة الخليج عرفت تغير في حياتها الفكرية والثقافية بعد اكتشاف النفط وحولتها من حياة الفقر والجهل إلى التعليم الحديث واستخدام الوسائل الحديثة وانتشار المراكز العلمية والثقافية ودخول التقنيات الحديثة وآفاق الثقافة العالمية . وتفتحت أذهان الناس على العالم الخارجي وفرضت الثقافة الغربية وجودها على حياة "الإنسان لتحل محل الثقافة القبلية ، وذلك بشكل تدريجي ".
وبهذا نجد بأن نمط الحياة الاجتماعية في دول الخليج رغم محاولة دخولها لأنماط الدولة إلا أن الوعي القبلي ظل مسيطرا على بعض تلك النخب (التنوقراط) وبعض من حاول الخروج على ذلك النمط الاستراتيجي للتكوين العائلي في تلك الدول ، وكأننا نتحدث عن نظام الشركات العائلية في تلك الدول .
الأحزاب السياسية في السعودية
بعد أن عجزت تلك النخب السياسية من تحقيق دولة المؤسسات والحصول على حقوقها بشكل يتناسب مع معطيات العصر ، قامت بتشكيل كثيرا من الأحزاب والتنظيمات القومية منها واليسارية ، وأصبحت اليوم مجرد تاريخ يذكر وهي :-
- الأمراء الأحرار منتصف الخمسينات بقيادة طلال بن عبدالعزيز تنظيم ليبرالي .
- نجد الفتاة مطلع الستينات بقيادة عبدالله الطريقي وآخرون تنظيم ليبرالي . –
- لجنة التحرير العربية السعودية 1969م ضباط ومثقفون تنظيم ليبرالي .
- جمعية العلم للنضال 1949م حسن الجشي وآخرون تنظيم قومي .
- حركة القوميين العرب مطلع الخمسينيات قومي .
- اتحاد الجزيرة العربية الخمسينيات بقيادة ناصر السعيد تنظيم قومي .
- حزب البعث العربي الاشتراكي الخمسينيات بقيادة محمد الربيع وعلي غنام تنظيم قومي .
- الكلية الطلابية الثورية عام 1962م مجموعة من الطلاب تنظيم قومي .
- شباب الطليعة العربية السعودية تنظيم مشكل بين الناصريين والقوميين .
- جبهة التحرير العربية عام 1962م مكون من الأمراء والأحرار وآخرون تنظيم قومي .
- جماعة التبليغ 1953م مكون من علماء وطلاب تنظيم إسلامي .
- جبهة الإصلاح الوطني عام 1953م مكون من الجيش والعمال تنظيم ماركسي .
- جبهة التحرير الوطني عام 1958م مكون من مثقفون وعمال تنظيم ماركسي .
- الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير الجزيرة العربية عام 1960م مكون من عمال النفط وهوا تنظيم ماركسي .
- منظمة الشيوعيين 1961م مكون من عمال النفط ماركسي .
- اتحاد القوى الديمقراطية مطلع الستينات مكون من عمال وموظفين وهوا تنظيم ماركسي .
- الجبهة الاشتراكية لتحرير الجزيرة العربية عام 1963م عمال النفط تنظيم ماركسي .
- رابطة أبناء الجزيرة العربية عام 1969م مكون من طلاب في الخارج ماركسي .
- الحزب الديمقراطي الشعبي عام 1969م مكون من موظفون وطلاب ماركسي .
- جبهة النضال الشعبي مطلع السبعينات مكون من طلاب في امريكا وهوا تنظيم ماركسي ..
وقد تم قمع جميع تلك التنظيمات في الفترة من 67م حتى نهاية السبعينات ، وفي تلك الفترة تم تقوية الحركة الدينية في الدولة لمجابهة المد الشيوعي في أفغانستان وكذلك محاصرة الثورة الإسلامية في إيران التي قامت بدعم تنظيمات دينية شيعية في منطقة الخليج وتحديداً في السعودية منها (حزب الله السعودية ، ومنظمة الثورة الإسلامية )..
مطلع الثمانينات بداء الصراع يأخذ منحى مذهبي في السعودية مما زاد التوتر في الداخل وفتح السجون وهجرة الكثير للخارج (الطائفة الشيعية) وعلى صعيد الجماعات السلفية (السنية) فقد ساعدتهم الدولة للذهاب إلى أفغانستان ومحاربة السوفيت والمد الشيوعي هناك .. مما نتج عنه في مطلع القرن الواحد والعشرين أحداث الحادي عشر من سبتمبر بينما عادت التنظيمات الشيعية إلى السعودية في مطلع التسعينات بعد عمل تسوية والحصول على بعض المكاسب التي لم تتحقق على أرض الواقع ولم تلبي طموحات الطائفة الشيعية فيما بعد .
ولعل الحديث عن الوضع السياسي داخل منطقة الخليج وفي العربية السعودية تحديداً يحتاج لكتابات أخرى نستعرض من خلالها كيف استطاعت الأحزاب الماركسية والقومية لإعادة لحمتها داخل الوطن مرة أخرى تحت مسمى قوى الإصلاح يشترك معهم نخب من كافة التيارات الدينية ( السنية – بكافة مذاهبها - ، الشيعية ، الإسماعيلية و الصوفية ) المعتدلة والتي تطالب بتحقيق مؤسسات المجتمع المدني داخل الوطن دون اللجوء للسلاح أو العنف .
نشر في نشرة المرصد الديمقراطي ومنتدي الحوار والابداع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق