«دارفوريو المنفى».. المأساة الإنسانية الأكثر قسوة
عبدالوهاب العريض
لطالما حلمت السينما الروائية، بالتضامن مع الشعوب المضطهدة وتبني قضايا الإنسان، كما يقول الكاتب السينمائي الإماراتي احمد القاسمي، ويضيف بأن الفيلم الروائي اليوم يعاني من كبوة الصعود مقابل الفيلم الوثائقي الذي سرق الريادة।وقد وضحت ريادة الأفلام الوثائقية في جذب المشاهد وإصابته بالدهشة والذهول أمام ما يراه من وقائع مؤلمة قد تحملها تلك الأفلام له।وكانت صدمتنا واضحة لدى مشاهدة الفيلم الوثائقي «كونونغو ॥ دارفوريون في المنفى» من إعداد وتقديم وإنتاج محمد اليحيائي لمصلحة قناة «الحرة»، السرد الروائي الذي تميز من خلاله اليحيائي عرض مأساة 3 ملايين نازح وما يزيد على 300 ألف قتيل وأرقام غير معروفة من الاغتصاب وانتهاك العرض لشعب تعرض للتهجير من مسكنه ليصبح لاجئا لا يعرف متى ينتهي المطاف॥ عشر سنين مرت ولم يصل فيها أي صحافي أو فضائية عربية إلا واحدة وقبل سنوات ربما طويلة، لتروى سيرة قبائل نزحت وتهجرت بسبب الحرب ولم تجد سوى الصحراء التشادية منفي لها.مساعداتالمساعدات العربية كما يقول شيخ العشيرة كانت في السنة الأولى وتم تقديمها من دول الخليج (السعودية، الكويت، الإمارات وقطر) ولكنها توقفت وظلت المنظمات الدولية وحدها تواجه مسؤولية هذه الأرواح التي أصبحت منسية في الصحراء.السيدة العجوز بطلة الفيلم كما نستطيع أن نطلق عليها.. تتحدث العربية بطريقة القبائل السودانية تروي سيرة أطفال تم قتلهم أمام عينها وكذلك سيرة رجال كانوا يغزونهم على ظهر الخيول يحرقون ويسبون النساء ويقتلون الأطفال والرجال.. ويأ خذ المخرج (زوم إن ) على عيونها التي رغت بالدموع وانسكبت على وجنتيها الجافة من أثر الصحراء.. وتنتقل بك الكاميرا مرة أخرى إلى أطفال يلهون برمال الصحراء وآخرين يبحثون عن دواء أو يمدون أيديهم للمساعدات الإنسانية القادمة من «النصراني» كما يقول شيخ العشيرة.مأساةاستطاع اليحيائي في هذا الفيلم أن يقدم لنا مأساة 300 ألف قتيل فقدوا حياتهم في إقليم دارفور وقد اختلفت الرواية الرسمية لتقول ان عددهم لم يتجاوز المائة ألف، لكن المنظمات الدولية تقول انه أكثر من ذلك بكثير، ويتفقون على أنهم لا يستطيعون عد حالات الاغتصاب ولا أحد استطاع توصيف هذا الفعل الشنيع الذي وقع على النساء. ويعزز الفيلم هذه القناعة بشهادات حية تحدث فيها سكان المخيم الذي تجول فيه اليحيائي لمدة خمسة أيام واستطاع الوقوف عند التفاصيل الصغيرة لحياتهم اليومية وكيفية ادارتها والتعليم الذي أصبح على الطريقة البدائية والكتب التي يحاولون جاهدين الحصول عليها وكذلك المستلزمات الأساسية.. أما القضاء فتحول إلى شيخ العشيرة الذي تم انتخابه لكبر سنه ونزاهته ومعرفته وقد كوّن له مجلسا من المستشارين يستعرضون المشاكل اليومية التي تحدث في المخيم.زياراتالمتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تشاد قالت انهم في المفوضية حاولوا دعوة عدد من الصحافيين العرب لزيارة المخيمات وبث تقارير مستقلة، إلا أن احدا لم يأت، وتضيف ربما لأن الإعلام العربي غير مهتم بمثل هذه القضية ولديه قضاياه التي هي أكثر اهتمام وجدل في مدنهم.لقد أبرز الفيلم عدم تقديم العرب مساعدات إغاثة للهاربين الدارفوريين في المخيمات عدا السنة الأولى للنزوح، وقد تجول اليحيائي في ثلاثة مخيمات تضم آلاف اللاجئين وأبرز طريقة تعليمهم وكيفية تناولهم لحصص الغذاء ولعبهم حفاة وشبه عراة في بعض المقاطع وحياتهم بين بيوت الطين والقش التي هي عرضة للحيوانات والحريق السريع والعطب الطبيعي الذي قد يمر عليها.لقد عزز هذا الفيلم القناعة بشهادات من تحدثوا فيه مع مقدم الفيلم والمنتج. ولا خلاف مع الفيلم في أن مسؤوليات كبرى تقع على «الجنجويد» و«القوات الحكومية»، غير أنه كان ضرورياً الإشارة إلى أن مقادير أخرى من المسؤولية في جرائم الحرب المرتكبة في دارفور تقع على حركات التمرد. لقد استطاع الفيلم الوثائقي أن يثبت حضوره على المستوى العالمي وكذلك على المستوى العربي من خلال تأثيره على المشاهد وتقديم رسالة واضحة لا تحمل توجهات سياسية بقدر ما تحمل بداخلها توجهات إنسانية لذلك الإنسان الملقى في مخيمات الصحراء التشادية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق