
راكبو النخيل وصراع البقاء في السعودية
عبد الوهاب الصالح من الرياض لموقع الشرفة
2010-07-02
قبل أن يصبح البترول محور الاقتصاد في السعودية، كانت محافظة القطيف، شرق البلاد، تُعرف بشكل أساسي بثروتها من أشجار النخيل.
فالقطيف واحة زراعية كانت تعتمد قبل البترول على الزراعة والبحر، كمصادر للدخل فيها. وفي واحة المحافظة مليون نخلة موزعة على مساحة 10 آلاف فدان.
تلك الواحة الزراعية فقدت الكثير من صورتها بعد أن أهملت وأصبح سكان المحافظة يعملون في الشركات الكبرى مثل شركة أرامكو السعودي،. إذ تحتاج الأشجار إلى رعاية متواصلة، لا سيما لإرضاء مستهلكي التمر.
حين بدأ السعوديون ينخرطون في قطاع الخدمات البترولية، أدت التغييرات في سوق العمل إلى تكوين سوق متخصصة للعاملين في رعاية النخيل. وأما اليوم، فكافة الوظائف في هذا القطاع يشغرها عمال وافدون، في حين أن السعوديين الذين لا يزالون في هذا المجال، قد ورثوا مهنتهم من الأجيال السابقة ولا يعرفون غيرها.
وتمتد الرعاية بأشجار النخيل على ثلاث أو أربع مراحل في السنة.
في المرحلة الأولى، يقوم العمال بتنظيف شجرة النخيل، ثم يستعينون في المرحلة الثانية بلقاح وغطاء تلقيح لحمايتها. أما في المرحلة الثالثة، فيزيلون الغطاء الواقي ويكشفون التمور، التي يتم قطفها في المرحلة الرابعة والأخيرة.
ويجني راكب النخيل 25 ريالاً لكل شجرة يجهزها. وهو يقوم عادة بأربع زيارات في السنة إلى الموقع. وإذا كانت الحديقة جزءاً من منزل، يمكنه أن يجني مبلغاً قدره 500 ريال يدفع له دفعة واحدة. غير أن هذه المهنة تتطلب جهداً جسدياً كبيراً، إذ يترتب على العامل أن يتسلق أعلى الشجرة، التي قد يصل ارتفاعها من 25 إلى 30 متراً.
ويقول الشاب علي السياقات، عامل نخيل يبلغ من العمر 28 عاماً، "نحن مجموعة من الشباب كان آباؤنا يعملون في هذه المهنة، وكنا نعيش معهم منذ الطفولة في البساتين".
ويضيف "عملنا موسمي ودخله قليل. يبدأ عملنا قبل بدء خروج الثمر (الرطب) حيث نقوم بنزع الشوك من سعفها، ثم ننظف أطرافها، وننهي عملنا بإنزال الثمرة نحو الأسفل". وتابع قائلاً "يأتي جاني الرطب بعد نحو ثلاثة أشهر ليمارس عمله بكل سهولة".
وأشار السياقات إلى أن هذه مراحل متباعدة زمنياً، وتأخذ وقتا يستمر ثلاثة أشهر في السنة، مضيفاً أن كثيراً من المنازل تحافظ على "زراعة النخلة، وهنا يأتي دورنا حيث نقوم نحن بالاعتناء بها طوال العام".
"بعضهم يريد ثمرتها في بداية الموسم وآخرون يريدون أن يستفيدوا منها في عمل (التمر) الذي يتم عمله خلال فترة الصيف"، بحسب السياقات.
ويصف راكبو النخيل مهنتهم بمهنة المتاعب والأخطار. فالأشجار عادة ما تكون مرتفعة وسهلة الانكسار في أعلاها.
ويقول السياقات "من المخاطر التي تحدق بنا سوسة النخيل، فإن كانت النخلة مرتفعة وهي مصابة، ربما تنكسر فنقع مع جذعها"، مستدركا "لا نركب أي نخلة إلا بعد معرفة مدى سلامتها".
الخبرة الطويلة تجعل راكبي النخيل أصحاب غريزة طبيعية مميزة تمكنهم من معرفة مدى سلامة النخلة كما ويصبح بإمكانهم تحديد نتيجة تسلقهم الشجرة من خلال مجرد النظر أو السمع.
وهنا يقول صالح العوامي، 55 عاما، "إن أصيبت بسوسة النخيل، نشعر بصوت التجويف المنبعث من أداة الكر التي نركب بها النخلة".
وفي حديثه، أشار العوامي الذي يعاني ألماً في الركبتين بعد كل يوم عمل، إلى أن الوقت الذي يمضيه على كل نخلة يعتمد على عمرها. ويقول "بعض أشجار النخيل يحتاج إلى نصف ساعة، وبعضها أكثر من ساعة".
ويتخوف العوامي من انقراض هذه المهنة.
وعن شجرة النخيل الشاهقة الطول (30 مترا)، يقول العوامي "لا أخشى النخيل المرتفعة. أتسلق بعضها وأشعر بالمتعة رغم وجود الخطر".
ويستدرك "أحيانا ينتابنا الخوف من تمايل النخلة الطويلة، فالهواء الشديد يهز الجذع الذي نكون واقفين عليه ليسبب الخوف، ويؤخر الإنجاز".
ورغم تفاؤل العوامي والسياقات حول دخول العناصر الشبابية للعمل في الفلاحة، إلا أن هذه المهنة تعاني نقصاً في اليد العاملة. وأصبح من الملحوظ هيمنة العمالة الوافدة التي تمارس الدور الذي يقوم به الفلاح السعودي، الأمر الذي أثار بعض الجدل.
ويؤكد العمال الأجانب الذين احترفوا مهنة تجهيز النخيل في بلادهم على أن عملهم فيه الكثير من الاحتراف وأن الطلب الكبير على خدماتهم دليل على ذلك.
ويقول كومار، وهو راكب نخيل هندي، "خبرت التعامل مع النخيل منذ كنت في الهند، فبلادي فيها الكثير من النخيل".
وأضاف قائلاً "نختلف من ناحية تزيين النخلة عما يفعله المزارع السعودي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق